un

astuces

Blogroll

mercredi 17 septembre 2025

✨ الجميلات الأربع في الصين: حين غيَّر الجَمال مجرى التاريخ

 

المقدّمة

منذ القِدَم، لم يكن الجَمال في الصين مجرّد صفةٍ شكلية أو هِبة ربانية تُبهج العيون، بل كان قوةً ناعمة قد تُسقِط الممالك أو تُقيمها، تُشعل الحروب أو تُطفئها، وتترك أثرها العميق في السياسة كما في الأساطير والشِّعر. بين السطور القديمة وفي الذاكرة الشعبية، برزت أربع نساء استثنائيات جرى تلقيبهن بـ "الجميلات الأربع"، وهنّ: شي شي، وانغ جاو جون، دياو تشان، ويانغ غويفي.

لم يكن جمالهن محصورًا في الملامح البهيّة، بل كان أشبه بهالةٍ أسطورية حيّرت الكتّاب والشعراء والمؤرخين. حتى إنّ كل واحدة منهن ارتبطت بمجازٍ شعري خالد صار مثلًا شائعًا: الأولى أغرقت السمك في البحار، والثانية أسقطت الطيور من السماء، والثالثة أخجلت القمر، والرابعة أذلّت الزهور. إنّها حكايات تمزج الحقيقة بالأسطورة، وتجعلنا نُدرك أن المرأة الجميلة قد تكون في بعض العصور سلاحًا لا يقل خطورة عن الجيوش والسيوف





 شِي شِي (Xi Shi, 西施) – الجَمال الذي يُغرق الأسماك 🐟

شي شي هي الأقدم بين الجميلات الأربع، وقد عاشت في زمن يُسمّى بـ حقبة الربيع والخريف (القرن الخامس قبل الميلاد). وُلدت في قرية فقيرة قرب مملكة "يوي"، ولم تكن تدرك أن جمالها سيغيّر مصير دولتين عظيمتين. اكتشفها وزير مملكة يوي، "فان لي"، الذي رأى في ملامحها الساحرة فرصةً سياسية نادرة.

الأسطورة الأكثر شهرة عنها تقول إنّها حين كانت تغسل الثياب على ضفاف النهر، انعكس وجهها في الماء، فانبهرت الأسماك بجمالها حتى فقدت وعيها وغاصت في الأعماق خجلاً. ومن هنا جاء لقبها: "الجَمال الذي يُغرق السمك".

لكن خلف هذه الصورة الشاعرية، كان هناك بُعد سياسي خطير. فقد قرّر ملك يوي استغلالها كسلاح للإيقاع بملك مملكة "وو" العدوّة. فأُرسلت إلى البلاط كهدية. ومع مرور الوقت، انشغل الملك "فوشاي" بجمالها انشغالاً جعله يغفل عن إدارة دولته. ضعفت المملكة شيئًا فشيئًا، حتى سقطت في النهاية أمام جيش مملكة يوي. هكذا تحوّلت فتاة ريفيّة إلى أداة سياسية أسقطت مملكة كاملة، لتغدو مثالاً على خطورة الجَمال حين يُستَخدم كسلاح.


وانغ جاو جُون (Wang Zhaojun, 王昭君) – الجَمال الذي يُسقِط الطيور 🕊️

تأتي ثاني الجميلات في التاريخ، وانغ جاو جون، التي عاشت في عهد أسرة هان الغربية (القرن الأوّل قبل الميلاد). كانت فتاة مثقفة تجيد العزف على آلة "البيبا" وتملك جمالاً أخّاذاً. دخلت القصر الإمبراطوري كإحدى المحظيّات، لكنّها لم تحظَ بمكانة مميّزة في البداية. والسبب في ذلك عائد إلى حادثة غريبة: فقد كان الإمبراطور يعتمد على صور الجواري ليتعرّف عليهن، وكان الرسام المسؤول يرسم أجملهن بواقعية فقط إذا دفعن له رشوة. أما وانغ، فلم تدفع له، فشوّه صورتها عمدًا.

مرت السنوات دون أن يلحظها الإمبراطور، حتى جاء اليوم الذي طلب فيه إرسال إحدى النساء لتكون زوجة دبلوماسية تُقدَّم إلى زعيم قبيلة "الهون". وقع الاختيار على وانغ جاو جون، وعندما رآها الإمبراطور للمرة الأولى وجهاً لوجه، أُصيب بالذهول من جمالها، وندم على أنه لم يعرفها من قبل.

الأسطورة المرتبطة بها تقول إنّها عندما خرجت من العاصمة متجهةً إلى أرض "الهون"، مرّت بسهولٍ واسعة، وكانت الطيور تحلّق في السماء. وما إن رأتها حتى سقطت من الدهشة والخجل. ومن هنا جاء لقبها: "الجَمال الذي يُسقِط الطيور".

رغم أنها أُرسلت بعيدًا عن وطنها، فإن زواجها السياسي ساهم في تحقيق السلام بين الصين والقبائل البدوية لفترة طويلة. لذا صارت رمزًا للتضحية الوطنية، إذ فضّلت المصلحة العامة على حياتها الشخصية.


 دياو تشان (Diao Chan, 貂蝉) – الجَمال الذي يُحرج القمر 🌙

أما ثالث الجميلات فهي دياو تشان، التي ارتبطت قصتها بأكثر فترات الصين اضطرابًا، أي أواخر عهد أسرة هان الشرقية (القرن الثاني الميلادي). بخلاف الأخريات، لا نجد عن دياو تشان الكثير في كتب التاريخ الرسمية، لكن شهرتها جاءت عبر الأدب الشعبي، وخصوصًا رواية "رومانسية الممالك الثلاث"، التي تُعدّ من أعظم كلاسيكيات الأدب الصيني.

بحسب الرواية، كانت دياو تشان جارية عند الوزير "وانغ يون"، الذي وضع خطة للتخلّص من الطاغية "دونغ زو". استخدم جمالها للإيقاع بين دونغ زو وقائده الأشهر "لو بو". فقد أغراها بالاثنين في الوقت نفسه، فوقع كل منهما في حبها. ولأنّ الغيرة تآكلت بينهما، انتهى الأمر بأن تمرّد لو بو على سيده وقتله.

الأسطورة تقول إنّ جمالها كان من السطوع بحيث إذا خرجت ليلاً تحت القمر، بدا القمر باهتًا بجوارها، حتى يخجل ويختبئ وراء الغيوم. ومن هنا جاء لقبها: "الجَمال الذي يُحرج القمر".

دياو تشان مثال حيّ على كيف يمكن لجمال امرأة أن يقلب موازين القوى السياسية، لا عبر جيوش أو سيوف، بل عبر دهاء ناعم وصبر طويل.


 يانغ غُويفِي (Yang Guifei, 杨贵妃) – الجَمال الذي يُخجِل الزهور 🌸

أخيرًا، نصل إلى الأجمل والأكثر مأساوية بينهن، يانغ غويفي، التي عاشت في أوج أسرة تانغ (القرن الثامن الميلادي). وُلدت باسم "يانغ يويهوان"، واشتهرت بجمال فريد ورشاقة في الرقص جعلتها أسطورة حيّة. تزوّجت أولاً من أحد الأمراء، ثم لفتت أنظار الإمبراطور "شوان زونغ"، فأصبحت محظيّته الكبرى والمفضّلة.

الأسطورة المرتبطة بها تقول إنّ الزهور حين كانت تمرّ بينها في الحدائق، تنحني خجلًا أمام جمالها الفائق، وكأنها تعترف بعجزها عن مجاراتها. ومن هنا جاء لقبها: "الجَمال الذي يُذلِّل الزهور".

لكن هذا الجمال الساحر كان أيضًا سبب نهايتها. إذ انشغل الإمبراطور بها إلى حدّ الإهمال، فضعفت الدولة واندلع تمرّد "آن لوشان". وعندما ثار الجيش، اتّهمها الجنود بأنها سبب الفوضى، وأجبروا الإمبراطور على إصدار أمر بإعدامها لتهدئة الغضب الشعبي.

موت يانغ غويفي لم يمحُ ذكراها، بل جعلها رمزًا لمأساة الجَمال الذي يتحوّل من نعمة إلى لعنة. لا عجب أن الشعراء كتبوا عنها قصائد حزينة، أبرزها قصيدة "أغنية الأبدية" للشاعر باي جويي، التي خلّدت حبها المأساوي مع الإمبراطور.



إنّ حكاية الجميلات الأربع في الصين تُظهر لنا بجلاء أن الجَمال لم يكن في الحضارة الصينية مجرّد زينة أو متعة للنظر، بل كان قوة تاريخية لها أثر عميق في السياسة والمجتمع. كل واحدة من هؤلاء النساء ارتبطت بمجاز شعري خالد

شي شي: الجَمال الذي يُغرق السمك.
وانغ جاو جون: الجَمال الذي يُسقِط الطيور.
دياو تشان: الجَمال الذي يُحرج القمر.
يانغ غويفي: الجَمال الذي يُذلِّل الزهور.
إنّهنَّ لم يَكُنَّ مجرّد أيقونات جَمال، بل شواهد على كيف يمكن لامرأة واحدة أن تُعيد تشكيل مصير مملكة، أو تزرع بذور حرب، أو تضحّي بنفسها لأجل السلام. وبين الحقيقة والأسطورة، يبقى تأثيرهن خالدًا في الأدب والتاريخ والفنون، ليذكّرنا دومًا بأن الجَمال قد يكون أعظم وأخطر من السيف نفسه.


0 commentaires:

Publier un commentaire