un

astuces

Blogroll

vendredi 12 septembre 2025

خُوانا الأولى ملكة قشتالة، التي عُرِفت باسم خوانا المجنونة

حين نتصفّحُ صفحاتِ التّاريخ الأوروبي، نلتقي بشخصياتٍ تَمزِجُ بين التراجيديا والدهشة. ومن أبرز هذه الشخصيات خُوانا الأولى ملكة قشتالة، التي عُرِفت باسمٍ ظلَّ يلاحقها عبر القرون: "خوانا المجنونة". كانت ابنةً لاثنين من أعظم ملوك أوروبا، وتزوّجت من أميرٍ وسيمٍ لُقِّب بـ "الجميل"، غير أن حياتها تحوّلت إلى صراعٍ مرير بين العاطفة والسياسة، وبين الحُبّ والجنون، حتى انتهى بها الأمر حبيسةً في قصرٍ باردٍ لسنواتٍ طويلة. فهل كانت خوانا مجنونة حقًا، أم ضحية دسائس الملوك وصراعات العروش؟



وُلدت خوانا الأولى سنة 1479م في مدينة طليطلة الإسبانية. هي الابنة الثالثة للملكين الكاثوليكيين الشهيرين: إيزابيل الأولى ملكة قشتالة وفرناندو الثاني ملك أراغون، اللذين وحّدا الممالك الإسبانية وأرسلا كولومبوس في رحلته لاكتشاف العالم الجديد. نشأت خوانا في بيئة ملكية صارمة، وتلقّت تعليمًا عاليًا في الدين، واللغات، والفلسفة، والموسيقى، ما جعلها من أكثر أميرات أوروبا ثقافةً في زمانها.

في عام 1496م زُوِّجت خوانا من فيليبي الأول "الجميل"، ابن ماكسيميليان الأول إمبراطور الإمبراطورية الرومانية المقدسة. كان زواجًا سياسيًا بامتياز هدفه تعزيز التحالفات بين إسبانيا وآل هابسبورغ. غير أنّ قلب خوانا لم يبقَ باردًا أمام وسامة زوجها، فغرقت في حبّه لدرجة الهوس، بينما كان هو باردًا قاسيًا، يميل إلى الخيانة، ويهتم بالسلطة أكثر من اهتمامه بزوجته. هذه العلاقة العاطفية غير المتوازنة كانت من أهم أسباب الاضطرابات النفسيّة التي نُسبت إليها لاحقًا.

بعد وفاة إخوتها الذكور وأختها البكر، أصبحت خوانا الوريثة الشرعية للتاج الإسباني. في سنة 1504م تُوِّجت ملكةً على قشتالة بعد وفاة والدتها إيزابيل. غير أنّ فيليبي استغل ضعفها العاطفي فحاول السيطرة على الحكم باسمها، كما سعى والدها فرناندو للتأثير على قراراتها. ومع هذا الصراع، بدأ يُشاع أنّها غير مستقرة عقليًا، خصوصًا بسبب غيرتها الشديدة على زوجها وتصرفاتها الغريبة في البلاط.

في سنة 1506م، توفّي فيليبي الجميل بشكلٍ مفاجئ – وقيل إنّه سُمِّم. هنا انفجرت مأساة خوانا الحقيقية. فقد رفضت تقبّل موت زوجها، وأصرّت على الاحتفاظ بجثمانه أينما ذهبت، حتى أنّها كانت تفتحه بين الحين والآخر لتراه. هذا السلوك جعل الناس يطلقون عليها لقب "خوانا المجنونة".


بعد ذلك، قام والدها فرناندو الثاني بإقصائها عن السلطة، مبرّرًا الأمر باضطراب عقلها، ثم ورث ابنها شارل الخامس التاج لاحقًا، وهو الذي سيُصبح واحدًا من أعظم الأباطرة في أوروبا.

قضت خوانا ما يقارب نصف قرن في العزلة القسرية. نُقلت إلى قصر "توردسيلاس" حيث عاشت شبه سجينة من 1509م حتى وفاتها سنة 1555م. عاشت وحيدةً بلا سلطة ولا حرية، لا يُسمح لها بمقابلة أحد إلا نادرًا. المؤرخون اختلفوا في تفسير حالتها: هل كانت فعلًا مصابة بالجنون، أم أنّ صفة "المجنونة" كانت ذريعةً سياسية استخدمها والدها وابنها للاستيلاء على الحكم؟

0 commentaires:

Publier un commentaire