un

astuces

Blogroll

lundi 22 janvier 2018

"صانع الأحذية" ينقرض في تونس



في دكانه المتواضع حيث يعمل منذ أكثر من 40 عاماً، كان العم أحمد يدقّ المسامير بيد مرتعشة على قطعة من الجلد وقد وضعها في قالب لصنع حذاء رجالي. يردّ على محدّثه من دون أن يرفع نظره، حتى لا يفقد ذلك المسمار الصغير الذي يمسك به بين أصابعه، ويخبر أنّ "صناعة الأحذية في تونس تراجعت بشكل كبير، خصوصاً في السنوات الأخيرة". يضيف: "لم يعد أحد يقبل على تعلّم هذه المهنة، بعدما باتت منتجاتها تشكو من كساد كبير من جرّاء التهريب. وبالفعل، ترك آلاف العمال والحرفيين الذين يعملون في صناعة الأحذية، مهنتهم هذه قبل سنوات" 
 
"صانع الأحذية" ينقرض في تونس


في دكانه الصغير الواقع وسط المدينة العتيقة، يبدأ العم أحمد العيادي عمله عند السادسة صباحاً. يصنع الأحذية بجميع أصنافها ومقاساتها، ليبيعها لاحقاً إلى التجار في الجوار أو إلى آخرين في مدن أخرى مختلفة. هو من القليلين الذين تمسكوا بصناعة الأحذية اليدوية، على الرغم من تراجع أرباحها المادية من جرّاء التجارة الموازية  

يُعدّ قطاع صناعة الجلود والأحذية في تونس من أهم الصناعات اليدوية التي كانت تشغّل أكثر من 50 ألف عامل، استقروا في الأساس في المدن العتيقة في المحافظات الكبرى لتونس من قبيل العاصمة وصفاقس ونابل. وهؤلاء كانوا يصنعون الأحذية بمعدات بسيطة يدوية. أما اليوم، فقد تراجع عددهم ولم يعد يتعدّى العشرة آلاف حرفي. الآخرون هجروا المهنة بعد تراجع مبيعاتهم، بسبب منافسة البضائع المهرّبة في السوق الموازية  

إذا ما قصدت محلات صناعة الأحذية في تونس، تجد أنّها تحوّلت بأكثرها إلى محلات لبيع المأكولات الخفيفة أو لبيع الملابس والألعاب. لكنّ بعضها بقي كما كان، بجدرانه القديمة والمواد البسيطة المستخدمة، فيما يتوسّط المحل صاحبه الذي يعلّم بعض الشباب الحرفة. ثمّة محاولات للحفاظ على مهنة كانت تؤمّن للتجار أرباحاً مالية لا بأس بها، خصوصاً وأنّ بعضهم كان يبيع سلعه في مختلف أنحاء البلاد وحتى في الجزائر وليبيا 

مختار المسعودي هو أيضاً حرفيّ يعمل في صناعة الأحذية منذ 18 عاماً. لكنّه، اليوم، سئم هذه المهنة التي لم تعد تساعده على تأمين مصاريف عائلته، بعد انتشار السلع المشابهة لسلعه في السوق. يخبر مختار: "قبل عشرة أعوام، كنت أعمل طيلة العام وأشغل عشرات الشباب معي. لكن منذ ثمانية أعوام، بات العمل يقتصر فقط على فترة الصيف مع بعض حرفيين آخرين". يضيف أن "عديدين يعملون في ما تبقى من العام، في مهن يومية أخرى كقيادة سيارة أجرة أو البناء أو تجارة الخضراوات أو العمل في المقاهي. هكذا تغلق المحال لأشهر". أما آخرون فقد تخلّوا عن المهنة نهائياً"  

ويعود ذلك وفق ما أشار إليه أكثر الحرفيين، إلى ارتفاع التجارة الموازية خصوصاً المستوردة من شرق آسيا وتحديداً من الصين، بالإضافة إلى التهريب وإقبال التونسيين على البضائع المهرّبة لأنّها تباع بأسعار متدنية بالمقارنة مع البضاعة التونسية. 

ويؤكّد محسن ميساوي، وهو صاحب محلّ صغير لصناعة الأحذية منذ 15 عاماً، أنّ كثيرين من أصحاب المهنة انقطعوا عنها بينما يعمل آخرون فيها فقط خلال أشهر الصيف. ويشير إلى أنّ "البضائع كانت قد احتجزت في الموانئ في عام 2011 بسبب أحداث الثورة والخوف من إدخال الأسلحة إلى البلاد. وقد تمكنا في تلك الفترة من العمل طيلة عام كامل وتشغيل مئات الشباب نظراً لحاجة السوق. خلنا أنّ الثورة قضت على السوق الموازية، لكن سرعان ما عاد الأمر إلى ما كان عليه وغرقت السوق بالبضائع المهربة. وراحت أعمالنا تشهد كساداً كبيراً وإفلاس عديد من الحرفيين الذين اضطروا إلى بيع محلاتهم". 

ويقول ميساوي، إن تراجع صناعة الأحذية من جرّاء التهريب، أدّى في المقابل إلى إغلاق مصانع عدّة للجلود وإلى صرف آلاف العمال، على الرغم من أنّ البضاعة المستوردة لا تتطابق مع المواصفات العالمية، لا من الناحية الإنتاجية ولا من الناحية الصحية. ويؤكد أنّ أرباب التهريب هم السبب المباشر في تدمير قطاع الجلود والأحذية، مضيفاً أنّ في مايو/ أيار 2014، تمّ استيراد أكثر من 11 مليون زوج أحذية، لتزداد بذلك الأوضاع سوءاً ويتضرر آلاف العمال الذين أصبحوا، اليوم، عاطلين عن العمل. 

تجدر الإشارة إلى أنّ تدهور أوضاع الحرفيين دفعهم إلى تنظيم وقفات احتجاجية عدّة في ساحة الحكومة بالقصبة، مطالبين بوقف التهريب وانتشار البضائع في الأسواق الموازية. وقد شدّد في خلالها رئيس غرفة صانعي الأحذية، محمد ذويب، وهو صاحب مصنع للأحذية، على ضرورة اتخاذ قرارات جدية وعاجلة للتصدي لآفة التهريب العشوائي الذي يهدد آلاف العمال ويحيلهم إلى البطالة.

0 commentaires:

Publier un commentaire