un

astuces

Blogroll

mercredi 1 février 2017

الڨنبري .. الآلة الموسيقية التي اندثرت في تونس

تقبع في إحدى أركان واجهات متحف الآلات الموسيقية بمركز الموسيقى العربية المتوسطية –النجمة الزهراء- بتونس، آلة وترية صغيرة الحجم من فصيلة العيدان طولها 60 سنتيمترا، لها عنق خشبي اسطواني تخترقه ملاويين يُربط بهما وتران يمتدان ويمران فوق فرس هرمي أسود مثبت على رقعة من الجلد مشدودة بالغراء على صندوق مصوت اتخذ من ترس سلحفاة أرضي . تثير الوضعية السينوغرافية المتحفية للآلة عدة استفهامات، فقد احتلت الآلة موقعا ضمن وتريات معفوقة تحمل تسمية ڨنبري دون أن يخصص لها رقم يرشد لتسميتها بالقائمة التوضيحية مما يولّد إرباكا في الاستدلال عليها لاسيما أن بعض العاملين بالمتحف يصطلحون عليها فيما بينهم بـ”فَكْرُونْ” -أي سلحفاة – رغم وجود آلة محاذية لها تحمل ذات الاسم ولكنها مختلفة معها مرفولوجيا وبالتالي فإن التسمية تتأرجح ما بين ڨُنْبري و”فَكْرُونْ” ويمكن إضافة ڨنِيبري إذا ما استخدمنا التسمية المعتمدة للآلة في العديد من المراجع الأجنبية.


إضافة للالتباس الذي تحدثه التسمية، فإن تواجد الآلة ضمن مجموعة من الوتريات الخاصة ببعض سود تونس، تحيل في ذهنية الزائر على كونها تنتمي لرصيدهم الأرغنولوجي والمستعمل عندهم لأداء موسيقات طقوسية وعلاجية ذات خصوصية لحنية-إيقاعية ينفردون بها، درج على تسميتها بالصطنبالي.
كما لا تقف الإرباكات عند ذلك الحد، إذ تزداد المسألة تعقيدا وذلك بعد أن تبين لنا عدم أصليّة الآلة المعروضة وبأنها لا تعدو أن تكون مجرد نسخة مقلدة لآلة يمتلكها أحد سكان توزر زعم أنه تحصل عليها من النيجر. ودون التوغل في هذه التفاصيل، فإن المحصلة هي الإقرار بوجود فراغ معرفي يخص هذه الآلة وبأنها -وعلى الرغم من تمتعها بشعبية كبيرة بتونس فيما مضى كما سنبين لاحقا- فقد اندثرت لا فقط من ناحية وجودها المادي والذي أشار له الموسيقي أحمد عاشور منذ سبعينيات القرن العشرين (عاشور، 1978) بل كذلك من ناحية نسيانها وانتفاء ذكراها إلى حد أن منشئيّ متحف الآلات الموسيقية بالنجمة الزهراء، في بداية التسعينيات من القرن الماضي، لم يدرجوها ضمن الفهرس الذي خصصوه للتعريف ببقية الآلات الموسيقية المعروضة بالمتحف، وربما يعود ذلك إلى عدم توفر المعلومات الكافية عنها أو لتضارب المعطيات حولها.
وفي ضوء جميع هذه القضايا المتعلقة بآلة الڨنبري فإن الإشكالية الأساسية المطروحة في هذا المقال هو البحث عن أسباب انقراضها في إطار محاولة فهم ظاهرة اندثار بعض الآلات الموسيقية عبر التاريخ. وللإحاطة بالموضوع سوف ننطلق بالتعريف بالآلة والتنقيب عن أصلها والتّحري عن مدى رواجها في تونس ومن ثمة تقصي أسباب اختفائها من المشهد الموسيقي التونسي.

1. تعريف الآلة

تُماثل الآلة محل الدرس من حيث الشكل والمواد المكونة لها والحجم، آلات أصلية معروضة بعدة متاحف أوروبية، تم اقتناؤها من البلدان المغاربية ما بين النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، ومن ضمنها عينتين من تونس (لوحة عدد 2 و3 )، ويستدل عليها بـ”ڨِنبري” / Guinbri وهو مصطلح استعمله “فكتور شارل ماهيون” عند جرده للآلات الموسيقية بمتحف المعهد الملكي ببروكسال وتصنيفه لها خلال ثمانينات القرن التاسع عشر


ويكون للصندوق المصوت في الغالب من ترس سلحفاة أرضي صغير أو من صدفة بحرية من الحجم الكبير أو من خشبة محفورة إلا أنها تتخذ شكلا يحاكي ترس السلحفاة أو يقترب منه، مما يؤكد على البعد الطوطمي للڨنبري. وتحتوي الآلة على وترين من الأمعاء أو من الخيوط النباتية ويشدان في أعلى المقبض بواسطة ملاويين ويمران على فرس ويربطان في الطرف النهائي للعنق.
تتماثل أشكال العينات التونسية مع مثيلاتها الجزائرية إلا أن الأخيرة تطغى عليها الزخارف الملونة ذات الأشكال الهندسية التي تجعلها بمثابة قطعة فنية. غير أن كلا من الڨنابر التونسية والجزائرية يختلفان عن تلك المستعملة في المغرب الأقصى في طريقة تركيب العنق، إذ يخترق العنق كامل الصندوق بالنسبة للعينات التونسية والجزائرية بينما يخترقه جزئيا في أغلب العينات المغربية وينحت في شكل شوكة ثلاثية الأسنان تربط بها الأوتاريتضح مما تقدم أن الآلة المعروضة بمتحف النجمة الزهراء تحيل على الڨنبري الذي كان متداولا بتونس والذي كان مستعملا في أغراض مختلفة عن تلك التي لها علاقة بالصطنبالي والممارسات التي تستلهم هويتها من مرجعيات ثقافات جنوب الصحراء. وتبقى تسميته بـ”فكرون” عند البعض هو مجرد استدلال لصندوقها المصوت الذي غالبا ما يصنع من ترس سلحفاة وذلك في ظل النسيان الذي حف بالآلة. وهو ما يقود للسؤال عن حقيقة تجذر تلك الآلة في تونس وهل تستحق فعلا أن تعد عنصرا تراثيا هاما إلى حدّ يسمح بعرض نموذج منسوخ لها بالمتحف؟
من المؤكد أن الڨنبري قد تواصل وجوده بكامل بلاد المغرب في ظل الحضارة العربية الإسلامية إلا أنه لم يظهر من خلال المصادر بصفة مستقلة فقد عملت أغلب المؤلفات الأدبية والفقهية التي تطرقت بشكل أو بآخر للآلات الوترية المغاربية على توصيفها بأسماء عامة كالمعازف أو العيدان والطنابير ولعل هذه الأخيرة -وهي التي يستدل بها على الأعواد الطويلة العنق- قد شملت الڨنابر أو ربما كانت فقط مقتصرة عليها إذ بالاطلاع على منمنمات مخطوطات “أناشيد القديسة ماريا” 
في مقابل ندرة المعلومات عن الڨنبري بالمصادر العربية طيلة الفترة الوسيطة والحديثة، فقد حظيت تلك الآلة بالاهتمام الشديد في كتابات الأجانب الغربيين منذ أن تكثفت زياراتهم للبلدان المغاربية خاصة خلال القرن التاسع عشر وتعرفهم عن كثب على عموم الشرائح الاجتماعية المحلية ونمط حياتهم. وقد استرعى انتباه هؤلاء الأجانب رواج تلك الآلة إلى حد أن “كرستيانوفيتش”  ذكر أن “كل العرب[بالجزائر] تقريبا يعزفونها” (Christianowitsch, 1868, p. 31)، كما ورد على لسان “جول رواني” أن الڨنبري “صديق الشعب، إنه آلة شعبية بامتياز[…] وهي منتشرة من تونس إلى شواطئ المغرب الأقصى بين أيادي عمال المدن والحقول والشحن بالمواني وأصحاب الدكاكين والأطفال كما يفتخر كل بدوي أو حضري بمعرفته العزف على تلك الآلة البدائية حين يصاحب أغانيه” (Rouanet, 1922, p. 2929)
ونطلع على ذات الانبهار بمدى رواج تلك الآلة بين المغاربة أيضا واضحا في مقال “هنري جورج فارمر” الذي أكّد بأنه أكثر الآلات انتشارا بشمال إفريقيا “فهي آلة شعبية بالأساس […] وكل من هب ودب وأراد أن يختبر مقدرته في العزف أمسك بڨنبري أو ڨنيبري بدء بالصبي الصاخب مرورا بالشّحّاذ المنتحب والمنشد المتجول والعامل الكادح والتاجر الموّقر وانتهاءً بالفقير المتصوف في قبته وكل منهم يظن نفسه خبيرا به تماما كالعازف البارع” (Farmer, 1928, p. 25 ).
إزاء الشهادات المتعددة على انتشار الڨنبري في شمال إفريقيا والتي أوردها باحثون أجانب تناولوا بالدرس الموسيقات المغاربية إلا أنهم لم يتعمقوا فعليا في دراسة الموسيقى التونسية، يبقى السؤال المطروح هل كان لتلك الآلة في تونس ذات الرواج الذي عرفته في الجزائر والمغرب الأقصى خلال القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين؟ مع العلم أن المعلومات الضئيلة التي أوردها التونسيون عنها كأمثال محمد بن عثمان الحشايشي والصادق الرزقي ترجعها إلى الجاليات المغربية التي كانت مقيمة بالبلاد؛ فقد ذكرها الأول كآلة مصاحبة للمدّاحة وهي طائفة من بلاد المغرب مستوطنة بتونس وتسترزق في الطريق العام بإنشاد روايات عن غزوات الصحابة (الحشايشي، 1994، ص. 253)، أما الثاني فقد أشار إلى أنها كانت منتشرة لدى “جالية برابرة المغرب الأقصى (الرزقي، 1967، ص. 588)، فهل يعني ذلك أنها آلة مستعملة بتونس ولكنها لا تنتمي للرصيد الارغنولوجي المحلي الرسمي؟       

3. الشواهد الدالة على رواج آلة القنبري في تونس

تتوفر العديد من الأدلة حول رواج الڨنبري في تونس ابتداء من القرن التاسع عشر إلى حدود الربع الأول من القرن العشرين أغلبها معلومات قدمها غربيون زاروا البلاد في تلك الفترة أو استقروا بها أو استوطنوها خلال الحقبة الاستعمارية. ونظرا لاختلاف طبيعة المعطيات فإنه يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أصناف وهي الكتابات والوثائق الايقنوغرافية والتسجيلات السمعية.

1.3 الشواهد المكتوبة

تضمنت مؤلفات الأجانب الغربيين الذين زاروا البلاد خلال القرن التاسع عشر إشارات متعددة للآلة، وهي شهادات يمكن الاعتداد بصدقها لأن جلها ورد في سياق وصف لمشاهد عاينوها دون التدخل في تفسيرها وتأويلها. إلا أن تلك الكتابات وأغلبها ينتمي إلى غير المختصين بالموسيقى لم تنصّ على تسمية الآلة بڨنبري إلا نادرا، بل وردت في أغلب الأحيان بتسمية “مندولين” أو قيثارة صغيرة وغيرها من التسميات التي تتطابق مع الثقافة الغربية. ولكن من خلال الأوصاف التي قُدّمت لها يمكن التمييز بينها وبين بقية الآلات الوترية المعفوقة التي تم الحديث عنها.
. أسباب اختفاء الڨنبري من المشهد الموسيقي التونسي
يرى الباحث “لورونس ليبان” أن أسباب اندثار الآلات الموسيقية يعود إلى عدة عوامل منها : ” تغير الأذواق وتطور طرق الأداء، أو مستجدات قد تطرأ على المواد وتقنيات الصناعة أو على المحفزات التجارية والسياسية، أو على حاجيات التعبير الشخصية لصانع الآلات أو للموسيقي، أو على حركة السكان، أو فقدان راعي أو تدمير ثقافة برمتها” (Libin, 2007, p. 883).  وإزاء اختفاء الڨنبري من المشهد الموسيقي بتونس في ثلاثينيات القرن العشرين فإن أسباب اندثاره تبدو جدُّ مرتبطة بمجمل المستجدات والتغيرات التي حصلت في تلك الفترة غير أنه من المرجح أن لا تكون لها علاقة بعوامل ذوقية وأدائية، إذ لا بد وأن يكون الڨنبري قد استطاع عبر تاريخه المديد استيعاب كل التحولات الذوقية والأسلوبية الموسيقية المساوقة للحضارات المتعاقبة على البلاد. كما أنه من الصعب أن تكون المواد أو تقنيات الصناعة إحدى عوامل اندثار الڨنبري فهو من الآلات التي كانت تعتمد على مواد أولية متوفرة وغير باهظة التكاليف، كما أن صناعته لا تقتضي جهدا مقارنة ببقية الآلات الوترية المتزامنة معه كالعود أو الرباب والتي يجب أن يراعي في صناعتها جملة من المواصفات تجعلها قادرة على توليد طاقة وترددات صوتية خاصة بالأنساق الموسيقية التي ينفذها العازفون المحترفون، بل إن أجراسها الموسيقية تعدّ في حد ذاتها إحدى أهم العناصر الأساسية المشكّلة لهوية الأنماط المتداولة لديهم، وتلك المواصفات والخصوصيات الصوتية النموذجية التي تبني على مقاييس محكمة، لا يمكننا الجزم بتوفرها في الڨنبري، فجل العينات مختلفة الأحجام والمواد، كما أن الڨنبري لا يرتبط بنمط موسيقي محدد يلزمه بأداء أجراس صوتية مخصوصة، بل ولعل هذه الصفة التي تتركه منفتحا على كل الأنماط وقادرا على تنفيذ كل ما يحلو في أذهان عازفيها دون التّقيّد “المتزمت” بقواعد الموسيقات المقننة المتداولة، يمثل أحد الأسباب التي جعلت منه أكثر الآلات الوترية انتشارا. وبالتالي فإن بقية العوامل التي ذكرها “لورونس ليبان” قد تكون الفواعل المباشرة في إزاحة الڨنبري وتغييبه، وتبعا لذلك يتعين البحث عن أسباب بعيدة عن الڨنبري كآلة أو بالأحرى كأداة صوتية والتحري عن رُعاتها من مستخدمين ومستهلكين لها.
اعتمادا على ما قدمه كل من “جول رواني” و”هنري جورج فارمر” حول هوية عازفي الڨنبري فإن عددا منهم كانوا لا يسترزقون منه بل يستعملونه كوسيلة تسلية وترفيه، بل يبدو أن أعداد المقبلين عليه من هؤلاء الهواة كان كبيرا إلى حد أن “كرستيانوفيتش” تهيّأ له أن الكلَّ كان يعزف الڨنبري، وجعله يتساءل : “هل لأنه أسهل عزفا من بقية الآلات أم لأنّ ثمنه زهيد؟” (Christianowitsch, 1868, p. 31). ويمكن تخيُّل مدى الغبطة التي كان يشعر بها طفل صغير أو شاب أو كهل حين يتمكن من استخراج بضع نغمات من آلة في المتناول أو عزف مقطوعة عليها في ظل ندرة المناسبات التي يمكن فيها للمرء  الاستماع لآلات موسيقية تصدح من قبل الفرق المحترفة أو لنقل عدم تواتر تلك الظروف بالنسبة لعامة الشعب. إلا أن المستحدثات التي طرأت على كيفية بث الموسيقى في بداية القرن العشرين مع انتشار استخدام الحاكي قد قوّض الإثارة التي يمكن أن يحدثها مجرد نقر على آلة من قبل هاوي، بل يبدو أن التسلية التي كانت ممارسة تطبيقية على الڨنبري وتجربة تخاض لاستخراج الأنغام ومحاكاة الألحان وربما استنباط بعضها، قد تحولت إلى مجرد استهلاك للاسطوانات والاستمتاع بالإصغاء إلى تسجيلات الموسيقات المشرقية والتونسية لشركات “غراموفون” و”بوليفون” و”باتي” التي غزت الأسواق وصارت رائجة بمقاهي أصبحت تستقطب مولعين يمضون وقتهم في الاستماع إليها مقابل زيادة طفيفة في المشروبات (دليل معرض حكايات عن الحاكي، 2006، ص. 9-11). وقد استرعت تلك الظاهرة السياح الأجانب الذين زاروا تونس في مطلع القرن العشرين وتحدث بعضهم منذ سنة 1908 عن وجود مقاهي في باب سويقة “تصدح بها أصوات الغراموفون التي تبث أغاني عربية لجمهور شديد الاهتمام والإعجاب بتلك الألحان” (Graham, 1908, p. 101)، ولم تقف تلك الظاهرة على رواد المقاهي بل تجاوزتها لتتبلور كحدث فاصل في تاريخ الموسيقى بتونس عبّر عنه عثمان الكعاك بمصطلح “الانقلاب الفني” الذي جعل من الحاكي يقرّب المسافات ويدخل الفن للبيوت ويستولي على أجواء الشارع (الكعاك، 1982، ص. 37). ومن المرحج أنه في غمار ذاك “الانقلاب” بدأ هواة الڨنبري يتخلون عنه مقابل الشغف بالاختراع الجديد وفقد الڨنبري بذلك جزء كبيرا من رُعاته الذين كانوا يساهمون في حركية سوق صناعته وتجارته والذي سيعرف الركود ثم الاضمحلال بمجرد التوقف عن طلبه.
بالموازاة مع تراجع استعمال الڨنبري من قبل ممارسي الموسيقى من الهواة، فقد بدأت الآلة تتقهقر في نفس الفترة مع أفول نجم “الغانيات” التونسيات المسلمات والذي كانت تمثل أحد آلاتهم الوترية المفضلة بل وتعدُّ حسب ما تحيله شهادات الأجانب وصورهم الاستشراقية كأهم أيقوناتهن. و”الغانيات” أو ما يطلق عليهن في أدبيات القرن التاسع عشر والسجلات الرسمية بالعاهرات ومفردها عاهرة، هن صنف من نسوة متحررات في مجتمع تقليدي محافظ كن لا يمانعن من الاختلاء بالرجال ومسامرتهم ومعاقرة الخمر وتعاطي المخدرات. وللإشارة فإن تلك التسمية ليست مرادفة للبغايا أو للمومسات إذ أن هاته الأخيرات كن يمتهن التجارة الجنسية التي كانت من المحرمات المدانة بشدة في تونس قبل الفترة الاستعمارية ويعاقب ممارسيها بالقتل، بينما كانت العاهرات يحترفن إلى جانب الغنج وآداب المجالسة والإغراء، العزف والغناء والرقص، بل كن الوحيدات من بين المسلمات اللاتي تمتهن تلك الصنائع اذ أن “مطلق النسوة التونسيات” كن حسب ما أورده محمد بيرم الخامس “لا تغنين أبدا ولو بين أيدي أزواجهن” ولذلك فقد كان يلتجأ “لعاهرات مغنيات” لأحياء الولائم والأعراس (بيرم الخامس، 1884، ص. 143). وقد زخرت كتابات الرحالة الأجانب بالحديث عن أولئك الغانيات مطلقين عليهن تسمية “عالمات”إلى حد أنهن برزن كعنصر قار فن المشهد الموسيقى التونسي طوال فترة التاريخ الحديث. وقد بيّنت تلك الكتابات أنه رغم ازدراء التونسيين لسلوكياتهن اللاّأخلاقية فإنهم كانوا متيمين بعروضهن، وأنهن كن جد مطلوبات عند الطبقات الحاكمة والثرية حيث كانوا يستقدموهن لتسليتهم وإحياء سهراتهم واحتفالاتهم بالغناء والرقص 

0 commentaires:

Publier un commentaire