ولد أبو سعيد خلف بن يحيى التميمي الباجي ببلدة باجة القديمة من ضواحي تونس الغربية، وبها زاول دراسته الأولى. ظهر عليه منذ حداثة سنه ميله إلى الحياة الروحية والتعمّق في التصوّف والسير في طريقه قبل أن يلتقي بثلاثة من أكابر التصوّف كان لهم تأثير بارز في حياته وهم: أبو مروان البوني (ت 601هـ/1204م)، وأبو مدين شعيب (ت 594هـ/1197 - 1198م)،وعبد العزيز المهدوي (ت 621هـ/1224م) إضافة إلى التقائه بأبي علي النفطي، وأبي يوسف يعقوب الدهماني، والطاهر المزوغي. كان أبو سعيد الباجي علامة بارزة في الحياة الصوفية بإفريقية زمن الدولة الحفصية، إليه آلت حلقة المهدوي الصوفية فصار شيخا لها
اجتمعت في حياة أبي سعيد الباجي نوازع الخير، وإغاثة الناس، مع حبّ العلم، والانقطاع إلى الزهد، والمجاهدة، وإيثار التأمل والاعتكاف في الخلوات، والمرابطة في المغارات، وقد هام بالمحبة الالهية، كما جاء في مناقبه التي دَوّنها أبو الحسن علي بن القاسم الهوّاري (ت 666هـ/1267 - 1268م) في مجموع يضمّ ترجمة لعدد من أولياء الحاضرة.
خرج أبو سعيد الباجي من باجة إلى الحج سنة 603هـ/1206 - 1207م. ومنها انتقل إلى الشام ثمّ رجع إلى تونس (606 هـ/1209 - 1210م) حيث ازداد عدد أتباعه وذاع صيته. واتخذ من مغارة بجبل المنار ميعادا لحلقة ذكر، وسنّ منهجا ومقصدا متفرّدا في الحياة الروحية، وقد بقي ما يزيد عن العشرين سنة ينشر مبادئ التصوف بين سكان الحاضرة وأحوازها رافضا كل العروض والهدايا والخطط التي عرضها عليه أبو العلاء الموحّدي المناصر للتصوف.
واشتهر أبو سعيد الباجي بتدريس أسرار التصوّف بمجلسه بجبل المنار، حيث كان له كلام كثير في التوحيد، والمعاملات، ومراتب المكاشفة، كما تبرز مناقبه سعة علمه ومدى اطلاعه على فقه الشرع، وقدرته على الافتاء في أداء الفرائض والواجبات من جهة الوقت والمكان، ولم يكن علمه ينفصل عن حياته الروحية وتأمله ومجاهداته لا سيما أنه كان دائم الاقامة بجبل المنار وقد اختاره مكانا للزّهد والعبادة.
ولم يكن الوليّ سيدي أبو سعيد يهتمّ كثيرا بمعرفة الناس وبمخالطتهم أو بمجادلتهم في آرائهم رغم اهتمامه بالعلماء واطلاعه على مختلف المذاهب وأسرار العلوم. "كان في أوّل ابتداء مقامه ملازما لمسجد برباط البحر (بباب البحر لمدينة تونس) لا يعرفه إذّاك إلاّ قليل من الناس مثل أبي الحجاج يوسف الصيّاد المعروف بابن الشمّاع، وكان هذا الشيخ من خاصته، وعاش بعده مدّة من الزمان ونقل عنه كثيرا..." وقد كان لهذه العوامل مجتمعة الأثر الكبير في تبوإ الشيخ أبي سعيد الباجي مكانة اجتماعية وعلمية ودينية مهمّة جعلته مقصد الزائرين إلى تونس من أهل العلم والصلاح...
ويمكن أن نستنتج أنّه كان لمنهجه في الحياة الروحية وقعه وأثره الشديد على السائرين في الطريق الصوفي إذ تخرّج في حلقته عدد من أقطاب التصوّف لَعَلّ أبا الحسن الشاذليأبرزهم، فقد ورد ضمن مناقبه: "لما دخلت تونس قصدت من فيها فما عرفني بما كنت في حيرة منه إلا ولي الله أبو سعيد الباجي، فلازمته وانتفعت به كثيرا". وقد أصبح جبل المنار بعد وفاته يعرف بجبل أبي سعيد ويقصده الكثير من الزُوّار
0 commentaires:
Publier un commentaire