un

astuces

Blogroll

samedi 20 décembre 2025

مقارنة تاريخية بين سلطانة الهند رضية والسلطانة مهرماه ابنة السلطان سليمان القانوني




 

يقدّم التاريخ الإسلامي نماذج نسائية نادرة استطاعت أن تترك أثرًا سياسيًا وحضاريًا بالغ الأهمية في عصور كان الحكم والسلطة فيهما حكرًا على الرجال. ومن بين هذه النماذج تبرز السلطانة رضية بنت شمس الدين التتمش، أول امرأة تحكم سلطنة دلهي في الهند، والسلطانة مهرماه بنت السلطان سليمان القانوني وخُرَّم سلطان (روكسلانة)، التي لعبت دورًا سياسيًا وثقافيًا مؤثرًا داخل الدولة العثمانية. ورغم اختلاف السياقين الجغرافيين والسياسيين، فإن المقارنة بين الشخصيتين تكشف أوجه تشابه واختلاف مهمة في طبيعة السلطة النسائية في التاريخ الإسلامي

أولًا: الخلفية التاريخية والنشأة

وُلدت السلطانة رضية في أواخر القرن السادس الهجري (أوائل القرن الثالث عشر الميلادي)، ونشأت في بلاط سلطنة دلهي في شمال الهند. كانت ابنة السلطان شمس الدين التتمش، أحد أبرز سلاطين الدولة الغورية في الهند. وقد حرص والدها على تعليمها العلوم السياسية والإدارية والعسكرية، وفضّلها على أبنائه الذكور لما لاحظه من ذكاء وحكمة وقدرة على القيادة

أما السلطانة مهرماه، فقد وُلدت عام 1522م في إسطنبول، في أوج قوة الدولة العثمانية، وهي ابنة السلطان سليمان القانوني، أعظم سلاطين العثمانيين، ووالدتها خُرَّم سلطان، المرأة الأكثر نفوذًا في القصر العثماني. نشأت مهرماه في بيئة ثقافية راقية، وتلقت تعليمًا متقدمًا في الأدب والفقه والسياسة واللغات



ثانيًا: الوصول إلى السلطة وموقع النفوذ

تُعد رضية حالة فريدة في التاريخ الإسلامي، إذ تولت الحكم رسميًا بلقب “سلطان” وليس “سلطانة” عام 1236م، بعد وفاة والدها، متحديةً اعتراض كبار القادة والعلماء الذين رفضوا فكرة حكم امرأة. مارست السلطة بشكل مباشر، فجلست على العرش، وقادت الجيوش، وأشرفت على شؤون الدولة بنفسها

في المقابل، لم تتولَّ مهرماه سلطان الحكم المباشر، لكنها امتلكت نفوذًا سياسيًا غير مباشر بالغ القوة. فقد كانت أقرب بنات سليمان إليه، وشاركت والدتها خُرَّم سلطان في التأثير على قرارات الدولة، خاصة في الشؤون المتعلقة بتعيين الصدور العظام والسياسة الخارجية. وبعد وفاة والدتها، أصبحت مهرماه المرأة الأقوى في القصر

ثالثًا: أسلوب الحكم والتعامل مع المجتمع

واجهت رضية معارضة شديدة من النخبة الحاكمة في دلهي، ليس فقط لكونها امرأة، بل أيضًا لأنها كسرت الأعراف الاجتماعية، فظهرت بلباس الرجال، وشاركت في المجالس العامة، وألغت الحواجز التقليدية بين الحاكم والمحكوم. حاولت بناء دولة قائمة على الكفاءة لا النسب، مما زاد من عداء الطبقة الأرستقراطية لها

أما مهرماه، فاتبعت سياسة هادئة وذكية من داخل القصر، فعملت من وراء الستار، مستفيدة من موقعها الأسري ونفوذها المالي. لم تصطدم مباشرة بالتقاليد، بل استخدمتها لصالحها، فجمعت بين القوة الناعمة والدهاء السياسي

رابعًا: الدور السياسي والعسكري

شاركت رضية فعليًا في قيادة الجيش، وقادت الحملات لقمع التمردات، وكانت تُصدر الأوامر العسكرية بنفسها. غير أن اعتمادها على بعض القادة المقرّبين، وخصوصًا جمال الدين ياقوت، أثار غضب الأمراء وأسهم في سقوطها لاحقًا

أما مهرماه، فلم تشارك في القتال، لكنها لعبت دورًا مهمًا في الدبلوماسية العثمانية، خاصة في العلاقات مع أوروبا وبلاد فارس. وتشير مصادر تاريخية إلى أنها شاركت في المراسلات السياسية، وقدّمت المشورة لوالدها ثم لأخيها السلطان سليم الثاني

خامسًا: الإنجازات الحضارية والثقافية

لم تتح الفرصة لرضية لتحقيق إنجازات عمرانية كبيرة بسبب قصر فترة حكمها (أقل من أربع سنوات)، لكنها تركت أثرًا رمزيًا بالغ الأهمية بوصفها أول امرأة تحكم دولة إسلامية كبرى بشكل رسمي.

في المقابل، تركت مهرماه بصمة حضارية واضحة، إذ موّلت وبنت عددًا من المنشآت الخيرية، أبرزها مجمّع مسجد مهرماه سلطان في إسطنبول، الذي صمّمه المعماري الشهير سنان. كما اشتهرت بأعمال البر ورعاية الفقراء والعلماء

سادسًا: النهاية والمصير

انتهى حكم رضية نهاية مأساوية؛ إذ أُطيح بها، ثم حاولت استعادة العرش، لكنها قُتلت عام 1240م، لتصبح رمزًا للمرأة التي تحدّت القيود الاجتماعية ودفعَت حياتها ثمنًا لذلك

أما مهرماه، فعاشت حياة طويلة نسبيًا، وتوفيت عام 1578م، بعد أن شهدت انتقال السلطة إلى أخيها سليم الثاني. ودفنت بجوار والدها، محافظة على مكانتها الرفيعة في الذاكرة العثمانية.

خاتمة

تمثل السلطانة رضية والسلطانة مهرماه نموذجين مختلفين للسلطة النسائية في التاريخ الإسلامي: الأولى حكمت مباشرة وواجهت المجتمع بجرأة، فكان مصيرها الصدام والسقوط، بينما الثانية مارست النفوذ من داخل النظام، فاستطاعت البقاء والتأثير طويلًا. وتؤكد المقارنة بينهما أن المرأة، رغم القيود الاجتماعية، استطاعت أن تلعب أدوارًا محورية في صناعة التاريخ، سواء من فوق العرش أو من خلفه.

0 commentaires:

Publier un commentaire