في يوم الأربعاء، 9 أبريل 2025، أعلنت سيرين بن علي، إحدى بنات نعيمة الكافي الثلاث من زين العابدين بن علي، عن وفاة والدتها عبر صفحتها على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك". هذا الإعلان جاء ليضع حدًا لحياة امرأة عاشت جزءًا كبيرًا منها بعيدًا عن الأضواء بعد طلاقها من الرئيس التونسي السابق، الذي حكم تونس من 7 نوفمبر 1987 حتى 14 يناير 2011، عندما أُطيح به في أعقاب الثورة التونسية. لم يتم الكشف عن تفاصيل دقيقة حول سبب الوفاة حتى الآن ، لكن الخبر أثار اهتمامًا واسعًا في تونس والعالم العربي، نظرًا لِارتباط نعيمة الكافي بفترة مُهمّة من تاريخ البلاد
نعيمة الكافي، التي تجاوزت الخامسة والسبعين من عمرها بحسب بعض المصادر، كانت تعيش في السنوات الأخيرة بعيدًا عن الصخب السياسي والإعلامي، في منزل بمدينة سوسة، وهي المدينة التي ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بزوجها السابق، حيث كان يمتلك فيها مقرًا خاصًا. اختيارها للعيش بمفردها، بعيدًا عن بناتها أو الأضواء، يعكس شخصيتها التي وصفتها بعض المصادر بأنها هادئة ومتحفظة، رافضة للانتقام أو استغلال ماضيها لأغراض شخصية أو سياسية
نعيمة الكافي هي ابنة الجنرال محمد الكافي (أو علي الكافي حسب بعض الروايات)، وهو قائد عسكري تونسي بارز شغل منصبًا رفيعًا في حكومة تونس ما بعد الاستقلال عن فرنسا في عام 1956. ولدت نعيمة في حوالي عام 1950 (التاريخ الدقيق غير مؤكد)، ونشأت في بيئة عسكرية واجتماعية مرموقة، مما منحها مكانة خاصة في المجتمع التونسي. كانت ابنة جنرال ذي نفوذ، مما مهد الطريق لزواجها من زين العابدين بن علي، الذي كان في ذلك الوقت مجرد جندي شاب في الجيش التونسي
زواجها من زين العابدين بن علي
التقت نعيمة بزين العابدين بن علي في أواخر الخمسينيات أو أوائل الستينيات من القرن العشرين، على الرغم من أن الظروف الدقيقة للقائهما لا تزال غامضة ومحل جدل. تزوجا في 19 يوليو 1961، في حفل أقيم في سوسة، وكان ذلك في وقت كانت فيه تونس تعيش لحظات تاريخية مع نهاية الوجود الاستعماري الفرنسي. يُعتقد أن زواج بن علي من نعيمة، ابنة جنرال ذي نفوذ، كان بمثابة نقطة تحول في مسيرته العسكرية والسياسية. فقد ساعدته هذه العلاقة على الانتقال من مجرد ضابط صف إلى مناصب أعلى، حيث دعمه والدها في دخول أوساط الاستخبارات العسكرية، وهي المجال الذي شكل أساس صعوده لاحقًا.
أنجبت نعيمة من زين العابدين ثلاث بنات: غزوة، ودرصاف، وسيرين. عاشت معه لما يقارب العشرين عامًا، شاركته خلالها فترات صعوده في الجيش والسلطة، بما في ذلك تعيينه مديرًا للأمن العسكري في عام 1964، ولاحقًا ملحقًا عسكريًا في المغرب. كانت نعيمة، بصفتها زوجة ضابط صاعد، جزءًا من حياة اجتماعية وعسكرية كانت تمهد لما سيصبح لاحقًا عهدًا سياسيًا طويلًا.
الطلاق من بن علي في الثمانينيات، بدأت علاقة زين العابدين بن علي بنعيمة الكافي تتدهور، وذلك مع ظهور ليلى الطرابلسي في حياته. تعرف بن علي على ليلى، التي كانت تمتلك صالون حلاقة نسائي في تونس، أثناء توليه منصب مدير الأمن الوطني. بدأت علاقتهما السرية في وقت كان لا يزال متزوجًا من نعيمة، مما أثار جدلاً لاحقًا حول خرقه للقانون التونسي الذي يمنع تعدد الزوجات. في عام 1988، تم الطلاق رسميًا بين نعيمة وزين العابدين، بعد أن أصبح الأخير رئيسًا للجمهورية في نوفمبر 1987 بانقلاب سلمي ضد الحبيب بورقيبة. هذا الطلاق مهد الطريق لزواجه من ليلى الطرابلسي في عام 1992، التي أصبحت لاحقًا السيدة الأولى حتى سقوط نظامه
لم يشهد الجنرال الكافي، والد نعيمة، هذه التطورات، حيث توفي قبل أن يرى صهره يصبح رئيسًا أو يطلق ابنته. بعد الطلاق، اختارت نعيمة الانزواء عن الحياة العامة، رافضة الحديث عن ماضيها أو استغلاله، على عكس ما فعلته ليلى الطرابلسي التي أثارت جدلاً واسعًا بسبب نفوذها وسلوكها.
حياتها بعد الطلاق
بعد انفصالها عن بن علي، عاشت نعيمة الكافي حياة هادئة نسبيًا في تونس. عقب الثورة التونسية في 2011، التي أطاحت بزوجها السابق ودفعته للهروب إلى المملكة العربية السعودية، بقيت نعيمة في البلاد، على عكس العديد من أفراد عائلة بن علي الذين غادروا. رفضت الانتقام أو الانخراط في أي جدل سياسي، وحافظت على خصوصيتها، مكتفية باستقبال أحفادها في المناسبات الخاصة.
تقول بعض المصادر إن نعيمة كانت تمتلك ذاكرة قوية وصحة جيدة حتى سنواتها الأخيرة، لكنها رفضت كتابة مذكرات أو الظهور إعلاميًا، رغم أنها كانت تمتلك معلومات قد تثري فهم تلك الحقبة التاريخية. في عام 2014، ترددت أنباء عن نيتها إصدار كتاب مع ابنتها سيرين، لكن المشروع لم ير النور، مما يعزز صورتها كشخصية متحفظة.
دورها في حياة بن علي
لنعيمة الكافي دور غير مباشر ولكنه مهم في صعود زين العابدين بن علي. زواجه منها فتح أبواب السلطة أمامه، حيث استفاد من نفوذ والدها في الجيش والحكومة. عندما تزوجها، كان بن علي مجرد عريف في الجيش، لكنه سرعان ما تدرج في المناصب بفضل دعم الجنرال الكافي، الذي أدخله عالم الاستخبارات العسكرية. هذا المسار قاده لاحقًا إلى منصب رئيس الوزراء ثم الرئاسة
ومع ذلك، بعد الطلاق، تلاشى دورها تمامًا من الساحة السياسية، وبقيت مجرد ذكرى في حياة رجل أصبح لاحقًا رمزًا للسلطوية والفساد في تونس. عاشت نعيمة فترة حكمه كشخصية منسية، بينما برزت ليلى الطرابلسي كوجه بارز للنظام، مما جعل المقارنة بين الزوجتين موضوعًا للنقاش في الأوساط التونسية.
نعيمة الكافي تُظهر نموذجًا لامرأة عاشت في قلب الأحداث دون أن تختار الانخراط فيها. رفضها للظهور أو الانتقام من ليلى الطرابلسي، التي حلت محلها، يعكس قوة شخصية وكرامة، وفقًا لبعض المقربين من عائلتها. كما أن صمتها بعد الثورة، رغم الضغوط الإعلامية المحتملة، يبرز موقفًا متميزًا مقارنة بأفراد آخرين من عائلة بن علي الذين سعوا لتبرير أنفسهم أو استغلال الوضع.
وفاة نعيمة الكافي في 9 أبريل 2025 أنهت فصلًا من حياة امرأة كانت شاهدة على تاريخ تونس الحديث. من زوجة لرئيس صاعد إلى مطلقة تعيش في الظل، تركت نعيمة بصمة خفية ولكنها ليست بلا أهمية. حياتها تمثل قصة إنسانية معقدة، تجمع بين الرفاهية والتقلبات، وتظل رمزًا للصمت في زمن الصخب السياسي
0 commentaires:
Publier un commentaire