عندما تُذكر قصة تمكين المرأة في المملكة العربية السعودية ضمن إطار رؤية السعودية 2030، فإن أولى الأسماء التي تتبادر إلى الذهن — بلا شك — هي ريما بنت بندر بن سلطان آل سعود. لقد جسّدت ريما — عبر مسيرتها المتنوعة في مجالات الاقتصاد، الرياضة، العمل الاجتماعي، والدبلوماسية — نموذجًا حيًّا لإمكانية المرأة السعودية في شغل أرفع المناصب، وقيادة مبادرات تغير الواقع الداخلي والخارجي للمملكة. في هذا التقرير، نسلط الضوء على محطات بارزة في حياتها ومسيرتها، ونحلّل كيف أصبحت ريما رمزًا لتمكين المرأة، وعاملًا مؤثرًا في إعادة رسم صورة المملكة داخليًا وخارجيًا
أولًا: النشأة والتعليم والخلفية
ولدت ريما بنت بندر بن سلطان عام 1975 في الرياض، وكانت جزءًا من أسرة لها حضور دبلوماسي وسياسي؛ والدها الأمير بندر بن سلطان آل سعود شغل منصب سفير المملكة في الولايات المتحدة لسنوات، ما مكّن ريما من أن ترعرع في بيئة دولية وسياسية
هذه الخلفية — تعليمية وعائلية — شكلت قاعدة صلبة لصياغة رؤيتها وطموحها المهني، وأعطتها قدرة على التنقّل بين ثقافات، واحتراف الحياة العامة، وهو ما بدا واضحًا في مسيرتها لاحقًا
ثانيًا: من القطاع الخاص إلى تمكين المرأة في بيئة العمل
بعد عودتها إلى المملكة، دخلت ريما عالم الأعمال: شغلت منصب الرئيس التنفيذي في شركة ألفا إنترناشيونال المحدودة — هارفي نيكولز الرياض، وهي من كبريات شركات التجزئة في مجال السلع الفاخرة.
من خلال منصبها هذا، تعاونت مع وكالة توظيف متخصصة في النساء، لإجراء دراسة حول الحواجز التي تواجه النساء في سوق العمل. النتيجة كانت فتح أول حضانة داخل متجر بيع بالتجزئة — خطوة تمكينية مكنت نساء كثيرات من الجمع بين العمل ورعاية الأطفال.
إضافة إلى ذلك، أسّست ريما مَنظمة اجتماعية تحت اسم ألف خير، تهدف إلى «تنمية رأس المال المهني للمرأة السعودية» عبر برامج تدريبية ومهنية، ما يعكس رؤيتها للاستثمار في الإنسان الفلسطيني الداخلي وتمكين المرأة اقتصاديًا.
بهذا، اتخذت ريما من القطاع الخاص منصة لتطبيق مبدأ تمكين المرأة عمليًا — ليس فقط بالتوظيف، بل بتسهيل التوازن بين العمل والحياة الأسرية.
ثالثًا: الرياضة — تمكين المرأة جسديًا ومجتمعيًا
في عام 2000، ساهمت ريما في تأسيس نادٍ نسائي رياضي يدعى نادي يبرين، وهو من أوائل الأندية التي منحت النساء السعوديات مساحة للممارسة الرياضية.
ثم تحوّلت إلى العمل الرسمي في السلك العام: في أغسطس 2016 تم تعيينها وكيلة شؤون المرأة في الهيئة العامة للرياضة، لتقود جهودًا لتوسيع مشاركة المرأة في الرياضة المدرسية والمجتمعية.
في يناير 2018 تمت ترقيتها لتكون وكيلة التخطيط والتطوير، ثم في أكتوبر 2018 أصبحت أول امرأة تتولى رئاسة الاتحاد السعودي للرياضة المجتمعية — أول اتحاد متعدد الرياضات في المملكة يُديره شخص من النساء.
من خلال هذه المناصب، ساهمت في فتح آفاق أمام الفتيات والشابات لممارسة الرياضة، وكسر الحواجز الاجتماعية التقليدية، بما يتوافق مع روح رؤية 2030 في تنمية الإنسان وتمكين المرأة في كافة المجالات.
هذه الخطوة جعلت من المرأة السعودية أكثر حضورًا في الرياضة، ليس كمشجعة فقط، بل كلاعبة ومنظمة — ما يعكس تحولًا ثقافيًا واجتماعيًا مهمًا.
رابعًا: العمل الاجتماعي – توعية ورعاية مجتمعية.
إضافة إلى مساهماتها الاقتصادية والرياضية، لعبت ريما دورًا مهمًا في العمل الخيري والمجتمعي: كانت من مؤسسي جمعية زهرة للتوعية بسرطان الثدي، والتي نظّمت إحدى أكبر حملات التوعية، شملت تشكيل «أكبر شريط وردي بشري في العالم» داخل جامعة سعودية — إنجاز أُدرج في موسوعة الأرقام القياسية.
عبر زهرة ومساهماتها الأخرى، دعمت الوعي الصحي، والخدمات الاجتماعية، وسعت إلى إشراك المجتمع المدني — خليط من الدعوة للتغيير والتحسيس بقضايا المرأة والطفل والأسرة.
كذلك، كان لها دور في تنمية رأس المال البشري من خلال برامج تدريبية ومهنية عبر مؤسسة «ألف خير»، ما يعزز مفهوم أن التنمية لا تقتصر على البنية التحتية أو النفط، بل على الإنسان أولًا.
بالتالي، لم تكن ريما مهتمة بالظهور فقط أو المنصب، بل بتحقيق أثر فعلي ومستدام في المجتمع السعودي.
خامسًا: الدبلوماسية — أول امرأة تُمثل السعودية على أعلى مستوى في واشنطن
في 23 فبراير 2019، صدر أمر ملكي بتعيين ريما بنت بندر سفيرة للمملكة لدى الولايات المتحدة الأمريكية — لتصبح أول امرأة في تاريخ السعودية تحظى بهذا المنصب الدبلوماسي الرفيع.
تعيينها كان بمثابة رسالة من المملكة — داخليًا وخارجيًا — أنها جدية في تمكين المرأة، وأن النساء لسن فقط جزءًا من الإصلاح الثقافي الاجتماعي، بل قد تقود دولة على الساحة الدولية.
وهي بخلفيتها المتعددة — ثقافية، اجتماعية، رياضية — جاءت كأنسب من تمثل السعودية في واشنطن؛ إذ تعرف الثقافة الغربية، ولديها خبرة في ريادة الأعمال والعمل المجتمعي، ما يمنحها مصداقية أمام الطرف الأمريكي والدولي.
من خلال هذا المنصب، أصبحت ريما صوتًا سعوديًا نسائيًا رفيعًا على الساحة الدولية — وكأنها جسرت بين التجربة المحلية السعودية والرؤية العالمية للمستقبل
الأميرة ريما بنت بندر بن سلطان ليست مجرد سيدة شغلت منصبًا دبلوماسيًا مرموقًا، بل هي رسالة متكاملة — رسالة تمكين، تغيير، تطور. من نادٍ رياضي نسائي صغير إلى كبرى منصات التجارة الخاصة؛ من حملات توعية مجتمعية إلى أعلى منصب دبلوماسي؛ من طفلة نشأت في ردهات السفارات إلى سفيرة تمثل بلدها أمام أعظم قوة عالمية: الولايات المتحدة.










