un

astuces

Blogroll

mercredi 12 novembre 2025

تأسيس المملكة العربية السعودية

 

مقدمة

يُعَدّ تأسيس المملكة العربية السعودية واحدًا من أبرز الأحداث التاريخية في العالم العربي والإسلامي خلال القرن العشرين، إذ مثّل تتويجًا لقرون طويلة من النضال السياسي والديني والاجتماعي لتوحيد مناطق الجزيرة العربية الممزّقة تحت راية واحدة، قائمة على الإسلام والعروبة والاستقلال. لم يكن التأسيس حدثًا مفاجئًا، بل ثمرة مسار تاريخي طويل بدأ منذ الدولة السعودية الأولى في منتصف القرن الثامن عشر، وامتدّ عبر مراحل متعاقبة من البناء والسقوط والنهوض حتى إعلان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود قيام المملكة العربية السعودية رسميًا في 23 سبتمبر 1932م (21 جمادى الأولى 1351هـ)




البدايات: جذور الدولة السعودية الأولى

تعود جذور الكيان السعودي إلى منطقة نجد، وتحديدًا إلى بلدة الدرعية التي أسسها مانع بن ربيعة المريدي عام 1446م، وهي الموطن الأول لآل سعود. في منتصف القرن الثامن عشر، برز الأمير محمد بن سعود كقائد سياسي يسعى لتقوية سلطته وتوسيع نفوذه في وسط الجزيرة، وفي الوقت ذاته ظهر العالم الشيخ محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة الإصلاحية الدينية التي هدفت إلى تصحيح العقيدة الإسلامية وإزالة المظاهر الشركية والبدع المنتشرة في تلك الحقبة.

عام 1744م، تم اللقاء التاريخي بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرعية، وهو التحالف الذي أسس الدولة السعودية الأولى على قاعدة الدين والسياسة، فكان مبدأها "التوحيد الديني والسياسي"؛ التوحيد في العقيدة والتوحيد في الحكم. بفضل هذا التحالف، بدأت الدولة تتوسع في أرجاء نجد ثم الحجاز والأحساء وأجزاء من اليمن والشمال، حتى أصبحت خلال عقود قليلة القوة الأبرز في شبه الجزيرة العربية.

غير أن توسّعها أثار مخاوف الدولة العثمانية التي كانت تعتبر نفسها حامية للحرمين الشريفين. فكلّفت واليها على مصر، محمد علي باشا، بإرسال حملة عسكرية للقضاء على الدولة الناشئة. وبعد معارك طويلة انتهت بسقوط الدرعية عام 1818م، انهارت الدولة السعودية الأولى، ونُقل الإمام عبد الله بن سعود إلى إسطنبول حيث أُعدم هناك.


الدولة السعودية الثانية: استمرار الفكرة بعد السقوط

لم تنتهِ فكرة الدولة السعودية بسقوط الدرعية، إذ بقي الولاء والروح السياسية قائمة في نفوس أبناء آل سعود وأنصارهم. وبعد سنوات من الاضطراب، استطاع الإمام تركي بن عبد الله بن محمد بن سعود أن يعيد بناء الدولة عام 1824م واتخذ من الرياض عاصمةً جديدة بدل الدرعية المدمّرة.
شهدت الدولة السعودية الثانية محاولات جادة لإعادة الاستقرار إلى نجد واستعادة الهيبة السياسية، لكنها واجهت صراعات داخلية بين أبناء الأسرة الحاكمة، وتحديات خارجية من بعض القبائل المنافسة، فضلًا عن الضغط العثماني المتواصل. ومع نهاية القرن التاسع عشر، ضعفت الدولة تدريجيًا حتى سقطت عام 1891م بعد معركة المليداء، حين انتصر آل رشيد من حائل على آل سعود، واضطر عبد الرحمن بن فيصل – آخر أئمة الدولة الثانية – إلى الخروج مع أسرته إلى الكويت.


مرحلة المنفى وبزوغ فجر جديد

في منفاه بالكويت، عاش الأمير عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود سنوات من التأمل والتخطيط لاستعادة مُلك آبائه وأجداده. كان شابًا طموحًا يتمتع بذكاء حاد وشجاعة نادرة، واستطاع أن يجذب حوله مجموعة من الرجال المخلصين الذين شاركوه حلم استعادة الرياض، العاصمة التاريخية.
وفي فجر الخامس من شوال سنة 1319هـ (15 يناير 1902م)، قاد عبد العزيز مجموعة صغيرة من الرجال في عملية جريئة لاستعادة الرياض من آل رشيد، وتمكّن من دخول قصر المصمك والسيطرة عليه وقتل عجلان بن محمد عامل ابن رشيد. كانت تلك اللحظة بمثابة الشرارة التي أعادت الروح للدولة السعودية الحديثة، وأعلنت بدء مرحلة جديدة من التوحيد والبناء.


مسيرة التوحيد: من الرياض إلى المملكة
بعد استعادة الرياض، بدأ الملك عبد العزيز مسيرة طويلة لتوحيد أقاليم الجزيرة العربية تحت راية واحدة. اعتمد في ذلك على التحالفات القبلية، والمفاوضات السياسية، والقوة العسكرية عند الحاجة، مع الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية وتطبيق العدالة

في 1904م، توسّع في منطقة القصيم، وتمكن من هزيمة قوات ابن رشيد في معركة البكيرية.
بين 1913 و1914م، استعاد الأحساء من الحاميات العثمانية، ما عزز موقعه الإستراتيجي على الخليج العربي.
خلال العقدين التاليين، استمر في توسيع نفوذه شمالًا وجنوبًا وغربًا، حتى دخل الحجاز بعد مفاوضات وصدامات محدودة مع الشريف حسين بن علي وأبنائه، وتم له ضم مكة المكرمة عام 1924م ثم المدينة المنورة عام 1925م.
وبذلك، اكتمل توحيد معظم أقاليم الجزيرة العربية تحت سلطته، وأعلن عام 1926م نفسه ملكًا على مملكة الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها، قبل أن يوحّدها رسميًا تحت اسم المملكة العربية السعودية عام 1932م.

إعلان المملكة وتثبيت أركان الدولة

في 23 سبتمبر 1932م، أصدر الملك عبد العزيز المرسوم الملكي الذي أعلن فيه توحيد البلاد تحت اسم "المملكة العربية السعودية"، لتبدأ بذلك حقبة جديدة من التاريخ السياسي الحديث للجزيرة العربية. اتخذ من الرياض عاصمة للدولة الجديدة، ووضع أسسًا واضحة لنظام الحكم القائم على القرآن الكريم والسنة النبوية، وأكد على مبدأ الشورى والعدالة والمساواة.

بدأت عملية بناء مؤسسات الدولة تدريجيًا، فأنشئت الوزارات والمصالح الحكومية، وأُرسيت نظم القضاء والتعليم والأمن. كما اتخذ الملك عبد العزيز سياسة خارجية متوازنة، تسعى إلى كسب الاعتراف الدولي بالمملكة الجديدة، فبادرت دول كبرى كالمملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى إقامة علاقات رسمية معها.


التحول الاقتصادي والاجتماعي

كان الاقتصاد في بداياته يعتمد على الزراعة والتجارة الموسمية والحج، إلا أن اكتشاف النفط عام 1938م في بئر الدمام رقم 7 مثّل نقطة تحول كبرى في تاريخ المملكة. فقد وفّر النفط موارد مالية ضخمة مكّنت الدولة من بناء البنية التحتية الحديثة، كالطرق والمطارات والموانئ والمدارس والمستشفيات.
كما شجّع الملك عبد العزيز وأبناؤه من بعده على التعليم الحديث دون الإخلال بالهوية الإسلامية، فأنشئت المعاهد والمدارس، وتأسست الجامعات فيما بعد. وفي المجال الاجتماعي، سعت الدولة إلى تعزيز الوحدة الوطنية بين مكونات المجتمع كافة، من قبائل ومدن ومناطق، على قاعدة الانتماء إلى العقيدة والوطن.


الدور الديني والسياسي للمملكة

منذ تأسيسها، حملت المملكة العربية السعودية مسؤولية عظيمة بوصفها حامية الحرمين الشريفين وخادمة الإسلام والمسلمين. فقد تولّت إدارة شؤون الحج والعمرة وتطوير الحرمين، وأصبحت قبلة للمسلمين من أنحاء العالم. كما تبنّت سياسة خارجية معتدلة تقوم على مبادئ الإسلام والعدالة وعدم التدخل في شؤون الآخرين.

سياسيًا، أسهمت المملكة في دعم القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وكانت من الدول المؤسسة لـجامعة الدول العربية عام 1945م، ثم الأمم المتحدة في العام نفسه، ما جعلها فاعلًا محوريًا في الساحتين الإقليمية والدولية.


الاستقرار والانتقال السلمي للسلطة

تميّز النظام السعودي منذ تأسيسه بالاستقرار والانتقال السلس للسلطة بين ملوك آل سعود وفق الأعراف المتبعة وبيعة أهل الحل والعقد. وبعد وفاة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عام 1953م، تولى أبناؤه الحكم تباعًا، محافظين على نهجه في التوحيد والعدالة والتنمية.


خاتمة

إن تأسيس المملكة العربية السعودية لم يكن مجرد حدث سياسي، بل مشروع حضاري شامل أعاد للجزيرة العربية وحدتها واستقرارها بعد قرون من التناحر والانقسام. لقد جسّد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رؤية قيادية نادرة جمعت بين الحكمة الدينية والبصيرة السياسية والشجاعة الميدانية، فأقام دولة حديثة متجذرة في تراثها الإسلامي، ومنفتحة على العالم.
واليوم، بعد مرور أكثر من تسعين عامًا على التوحيد، تواصل المملكة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان مسيرة البناء والتحديث في إطار رؤية السعودية 2030، التي تمثل امتدادًا طبيعيًا لفكر المؤسس في الجمع بين الأصالة والتجديد، والدين والتنمية، والهوية والانفتاح.