مقدمة
يُعَدّ تأسيس المملكة العربية السعودية واحدًا من أبرز الأحداث التاريخية في العالم العربي والإسلامي خلال القرن العشرين، إذ مثّل تتويجًا لقرون طويلة من النضال السياسي والديني والاجتماعي لتوحيد مناطق الجزيرة العربية الممزّقة تحت راية واحدة، قائمة على الإسلام والعروبة والاستقلال. لم يكن التأسيس حدثًا مفاجئًا، بل ثمرة مسار تاريخي طويل بدأ منذ الدولة السعودية الأولى في منتصف القرن الثامن عشر، وامتدّ عبر مراحل متعاقبة من البناء والسقوط والنهوض حتى إعلان الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود قيام المملكة العربية السعودية رسميًا في 23 سبتمبر 1932م (21 جمادى الأولى 1351هـ)
البدايات: جذور الدولة السعودية الأولى
تعود جذور الكيان السعودي إلى منطقة نجد، وتحديدًا إلى بلدة الدرعية التي أسسها مانع بن ربيعة المريدي عام 1446م، وهي الموطن الأول لآل سعود. في منتصف القرن الثامن عشر، برز الأمير محمد بن سعود كقائد سياسي يسعى لتقوية سلطته وتوسيع نفوذه في وسط الجزيرة، وفي الوقت ذاته ظهر العالم الشيخ محمد بن عبد الوهاب صاحب الدعوة الإصلاحية الدينية التي هدفت إلى تصحيح العقيدة الإسلامية وإزالة المظاهر الشركية والبدع المنتشرة في تلك الحقبة.
عام 1744م، تم اللقاء التاريخي بين الأمير محمد بن سعود والشيخ محمد بن عبد الوهاب في الدرعية، وهو التحالف الذي أسس الدولة السعودية الأولى على قاعدة الدين والسياسة، فكان مبدأها "التوحيد الديني والسياسي"؛ التوحيد في العقيدة والتوحيد في الحكم. بفضل هذا التحالف، بدأت الدولة تتوسع في أرجاء نجد ثم الحجاز والأحساء وأجزاء من اليمن والشمال، حتى أصبحت خلال عقود قليلة القوة الأبرز في شبه الجزيرة العربية.
غير أن توسّعها أثار مخاوف الدولة العثمانية التي كانت تعتبر نفسها حامية للحرمين الشريفين. فكلّفت واليها على مصر، محمد علي باشا، بإرسال حملة عسكرية للقضاء على الدولة الناشئة. وبعد معارك طويلة انتهت بسقوط الدرعية عام 1818م، انهارت الدولة السعودية الأولى، ونُقل الإمام عبد الله بن سعود إلى إسطنبول حيث أُعدم هناك.
الدولة السعودية الثانية: استمرار الفكرة بعد السقوط
مرحلة المنفى وبزوغ فجر جديد
مسيرة التوحيد: من الرياض إلى المملكةبعد استعادة الرياض، بدأ الملك عبد العزيز مسيرة طويلة لتوحيد أقاليم الجزيرة العربية تحت راية واحدة. اعتمد في ذلك على التحالفات القبلية، والمفاوضات السياسية، والقوة العسكرية عند الحاجة، مع الالتزام بمبادئ الشريعة الإسلامية وتطبيق العدالة
إعلان المملكة وتثبيت أركان الدولة
في 23 سبتمبر 1932م، أصدر الملك عبد العزيز المرسوم الملكي الذي أعلن فيه توحيد البلاد تحت اسم "المملكة العربية السعودية"، لتبدأ بذلك حقبة جديدة من التاريخ السياسي الحديث للجزيرة العربية. اتخذ من الرياض عاصمة للدولة الجديدة، ووضع أسسًا واضحة لنظام الحكم القائم على القرآن الكريم والسنة النبوية، وأكد على مبدأ الشورى والعدالة والمساواة.
بدأت عملية بناء مؤسسات الدولة تدريجيًا، فأنشئت الوزارات والمصالح الحكومية، وأُرسيت نظم القضاء والتعليم والأمن. كما اتخذ الملك عبد العزيز سياسة خارجية متوازنة، تسعى إلى كسب الاعتراف الدولي بالمملكة الجديدة، فبادرت دول كبرى كالمملكة المتحدة والولايات المتحدة إلى إقامة علاقات رسمية معها.
التحول الاقتصادي والاجتماعي
الدور الديني والسياسي للمملكة
منذ تأسيسها، حملت المملكة العربية السعودية مسؤولية عظيمة بوصفها حامية الحرمين الشريفين وخادمة الإسلام والمسلمين. فقد تولّت إدارة شؤون الحج والعمرة وتطوير الحرمين، وأصبحت قبلة للمسلمين من أنحاء العالم. كما تبنّت سياسة خارجية معتدلة تقوم على مبادئ الإسلام والعدالة وعدم التدخل في شؤون الآخرين.
سياسيًا، أسهمت المملكة في دعم القضايا العربية والإسلامية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وكانت من الدول المؤسسة لـجامعة الدول العربية عام 1945م، ثم الأمم المتحدة في العام نفسه، ما جعلها فاعلًا محوريًا في الساحتين الإقليمية والدولية.
الاستقرار والانتقال السلمي للسلطة
تميّز النظام السعودي منذ تأسيسه بالاستقرار والانتقال السلس للسلطة بين ملوك آل سعود وفق الأعراف المتبعة وبيعة أهل الحل والعقد. وبعد وفاة الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود عام 1953م، تولى أبناؤه الحكم تباعًا، محافظين على نهجه في التوحيد والعدالة والتنمية.






